سطور في تقدير الغريب

سطور فى تقدير الغريب

لا أخاف من الغرباء ، اكتشفت ذلك عندما نضجت. لم أكن بمثل ذلك الفهم في صغري فكنت أتعجب كثيراً من تحذيرات أمي في طفولتي من الغرباء ثم كبرت ولم يزل التعجب من أساطير الأصدقاء عن خطر الغرباء وحتى الآن .

لماذا يفرق الناس بين خطر الغريب والقريب فيصدروا أحكاماً لصالح القريب باعتباره الأكثر أمناً ، أكاد أجزم أن خطر القريب أشد وطأ على النفس وأكثر شراً أيضاً .

أظن أني اكتشفت أني أخاف من القريب ، من يعرف نقاط ضعفي وقوتي ويدرك عن حياتي ما يجعله خطراً حقيقياً .

أجد في صحبة الغرباء بعض الراحة ، تستطيع أن تحدث الغريب عن أي شيء خاصة إن كنت لن تراه مرة أخرى .

تستطيع أن تبوح له بأسرارك وخفايا نفسك التي لا تشاركها أحداً وحتى نفسك في أحيان كثيرة .

الغريب لن يبالي ولن يحكم وإن حكم فلن تراه مرة أخرى . الغريب أيضاً ليس مهتماً بك فقط يحركه شغفه وفضوله نحو سماع قصصك ، قد يشاركها مع آخرين ولكنك لا تعرفهم أيضاً ولا يعرفونك .

الغريب ليس خطراً محدقاً كما صورته أمي وليس شريراً كما يصوره أصدقائي وليس بالضرورة بنقاء تصوراتي .

الغريب فقط غريب قد يحمل الشر وقد لا يحمل غير رغبة مشتركة في المشاركة اللحظية التي تنتهي بكل تفاصيلها فور انتهاء اللقاء .

الحقيقة أني أيضاً أحب قصص الغرباء ، حياتهم مشوقة جداً كأنها فيلم مصور قصير .

حتى وإن تشابهت القصص مع قصص تعرفها ففكرة أنها لأناس لا تعرفهم تحرك خيالك وتصوراتك وتجعل للقصص وقعاً كحكايات ألف ليلة وليلة .

سائق التاكسي الذي استقليت في يوم من أقسى الأيام وأنا في مقتبل الرابعة والعشرين لا أعرف وجهة ولا حلاً لمشكلتي؛ فعرض دون أن يعرف أن يصاحبني أينما شئت وأن يساندني دون مقابل تلك الليلة لمجرد سماعه لمحادثات الهاتف التي قمت بها في التاكسي والتي لخصت مشكلتي .

الفتاة التي في المقهى التي تحدثت معي ونحن نحتسي القهوة مضى كل منا في طريقه دون أن نعرف اسم بعضنا البعض ، بعد أن حدثتني عن قصة زواجها الفاشل وحدثتها عن شوقي لابنتي التي سافرت ولن تعود قبل أشهر ستة عدداً ودهراً على القلب .

الرجل ذو البدلة الكحلية الذي جلس بجانبي في الطائرة لساعات محلقين في الجو يحكي كل منا للآخر عن أسباب السفر والرحلة الجديدة بما تحمله من حماس وقلق .

مصور الفوتوغرافيا على كورنيش الإسكندرية الذي صورني وحكا لي عن تعلق قلبه بكاميرته ووظيفته التي لم يغيرها طوال سنوات عمره ، أتذكر كل هؤلاء وأستمتع باسترجاع ما تشاركناه من حكايات .

الغريب ليس إلا إنساناً قد يحمل أي شيء ولكني لا أخاف على كل الأحوال ، إن حمل خيراً فمرحباً بتجربة إنسانية لطيفة على النفس وغنية وملهمة أحياناً ، وإن حمل شراً فليكن!

اترك تعليقاً